فصل: الآية رقم ‏(‏83 ‏:‏ 87‏)‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر ابن كثير **


 سورة الواقعة

روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد اللّه بن مسعود بسنده عن أبي ظبية قال‏:‏ مرض عبد اللّه مرضه الذي توفي فيه، فعاده عثمان بن عفّان فقال‏:‏ ما تشتكي‏؟‏ قال‏:‏ ذنوبي، قال‏:‏ فما تشتهي‏؟‏ قال‏:‏ رحمة ربي، قال‏:‏ ألا آمر لك بطبيب‏؟‏ قال‏:‏ الطبيب أمرضني، قال‏:‏ ألا آمر لك بعطاء‏؟‏ قال‏:‏ لا حاجة لي فيه، قال‏:‏ يكون لبناتك من بعدك، قال‏:‏ أتخشى على بناتي الفقر‏؟‏ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً‏)‏ ‏"‏رواه ابن عساكر وأبو يعلى، وقال بعده‏:‏ فكان أبو ظبية لا يدعها‏"‏‏.‏ وروى أحمد عن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة يقول‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم، التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور ‏"‏رواه الإمام أحمد في المسند‏"‏‏.‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم

 الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 12‏)‏

‏{‏ إذا وقعت الواقعة ‏.‏ ليس لوقعتها كاذبة ‏.‏ خافضة رافعة ‏.‏ إذا رجت الأرض رجا ‏.‏ وبست الجبال بسا ‏.‏ فكانت هباء منبثا ‏.‏ وكنتم أزواجا ثلاثة ‏.‏فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ‏.‏ وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ‏.‏ والسابقون السابقون ‏.‏ أولئك المقربون ‏.‏ في جنات النعيم ‏}‏

الواقعة من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فيومئذ وقعت الواقعة‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لوقعتها كاذبة‏}‏ أي ليس لوقوعها إذا أراد اللّه كونها صارف يصرفها ولا دافع يدفعها، كما قال‏:‏ ‏{‏استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من اللّه‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع‏}‏، ومعنى ‏{‏كاذبة‏}‏ أي لابد أن تكون، وقال قتادة‏:‏ ليس فيها ارتداد ولا رجعة، قال ابن جرير‏:‏ والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خافضة رافعة‏}‏ أي تخفض أقواماً إلى أسفل سافلين إلى الجحيم، وإن كانوا في الدنيا أعزاء، وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم، وإن كانوا في الدنيا وضعاء، وعن ابن عباس‏:‏ ‏{‏خافضة رافعة‏}‏ تخفض أقواماً وترفع آخرين، وقال عثمان بن سراقة‏:‏ الساعة خفضت أعداء اللّه إلى النار، ورفعت أولياء اللّه إلى الجنة، وقال محمد بن كعب‏:‏ تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، وقال السدي‏:‏ خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا رجت الأرض رجَّاً‏}‏ أي حركت تحريكاً فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد ‏{‏إذا رجت الأرض رجَّاً‏}‏ أي زلزلت زلزالاً، وقال الربيع بن أنَس‏:‏ ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا زلزلت الأرض زلزالها‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن زلزلة الساعة شيء عظيم‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبست الجبال بساً‏}‏ أي فتتت فتاً، قاله ابن عباس ومجاهد، وقال ابن زيد‏:‏ صارت الجبال كما قال اللّه تعالى ‏{‏كثيباً مهيلاً‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكانت هباء منبثاً‏}‏ عن علي رضي اللّه عنه‏:‏ هباء منبثاً كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء، وقال ابن عباس‏:‏ الهباء الذي يطير من النار إذا اضرمت يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً، وقال عكرمة‏:‏ المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏هباء منبثاً‏}‏ كيابس الشجر الذي تذروه الرياح، وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة، وذهابها ونسفها أي قلعها وصيرورتها كالعهن المنفوش‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكنتم أزواجاً ثلاثة‏}‏ أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف‏:‏ قوم عن يمين العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، وهم جمهور أهل الجنة، وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار، وطائفة سابقون بين يديه عزَّ وجلَّ وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين، لهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون‏}‏، وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه‏}‏ الآية وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه، قال ابن عباس ‏{‏وكنتم أزواجاً ثلاثة‏}‏ قال‏:‏ هي التي في سورة الملائكة ‏{‏ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا‏}‏ الآية‏.‏ وقال يزيد الرقاشي‏:‏ سألت ابن عباس عن قوله‏:‏ ‏{‏وكنتم أزواجاً ثلاثة‏}‏ قال‏:‏ أصنافاً ثلاثة، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏وكنتم أزواجاً ثلاثة‏}‏ يعني فرقاً ثلاثة، وقال ميمون بن مهران‏:‏ أفواجاً ثلاثة، اثنان في الجنة وواحد في النار، قال مجاهد‏:‏ ‏{‏والسابقون السابقون‏}‏ هم الأنبياء عليهم السلام، وقال السدي‏:‏ هم أهل عليين، وقال ابن سيرين ‏{‏والسابقون السابقون‏}‏ الذين صلوا إلى القبلتين، وقال الحسن وقتادة‏:‏ ‏{‏والسابقون السابقون‏}‏ أي من كل أمة، وقال الأوزاعي، عن عثمان بن أبي سودة، أنه قرأ هذه الآية ‏{‏والسابقون السابقون أولئك المقربون‏}‏ ثم قال‏:‏ أولهم رواحاً إلى المسجد، وأولهم خروجاً في سبيل اللّه، وهذه الأقوال كلها صحيحة، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات، كما أمروا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض‏}‏، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك المقربون في جنات النعيم‏}‏، وقال ابن أبي حاتم، قالت الملائكة‏:‏ يا رب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون، فاجعل لنا الآخرة، فقال‏:‏ لا أفعل، فراجعوا ثلاثاً، فقال‏:‏ لا أجعل من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان؛ ثم قرأ عبد اللّه‏:‏ ‏{‏والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو موقوفاً‏"‏‏.‏

 الآية رقم ‏(‏13 ‏:‏ 26‏)‏

‏{‏ ثلة من الأولين ‏.‏ وقليل من الآخرين ‏.‏ على سرر موضونة ‏.‏ متكئين عليها متقابلين ‏.‏ يطوف عليهم ولدان مخلدون ‏.‏ بأكواب وأباريق وكأس من معين ‏.‏ لا يصدعون عنها ولا ينزفون ‏.‏ وفاكهة مما يتخيرون ‏.‏ ولحم طير مما يشتهون ‏.‏ وحور عين ‏.‏ كأمثال اللؤلؤ المكنون ‏.‏ جزاء بما كانوا يعملون ‏.‏ لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ‏.‏إلا قيلا سلاما سلاما ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ‏{‏ثلّة‏}‏ أي جماعة من الأولين، وقليل من الآخرين‏:‏ وقد اختلفوا في  المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل‏:‏ المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالأخرين هذه الأمة، وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة‏)‏ ولم يحك غيره، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏ثلة من الأولين وقليل من الآخرين‏}‏ شقّ ذلك على أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت‏:‏ ‏{‏ثلة من الأولين وثلة من الآخرين‏}‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة، أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم والإمام أحمد‏"‏‏.‏ وهذا الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل هو قول ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم واللّه أعلم، فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثلّة من الأولين‏}‏ أي من صدر هذه الأمة، ‏{‏وقليل من الآخرين‏}‏ أي من هذه الأمة، قال ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن أبي بكر المزني‏:‏ سمعت الحسن أتى على هذه الآية ‏{‏والسابقون السابقون، أولئك المقربون‏}‏ فقال‏:‏ أما السابقون فقد مضوا، ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين، ثم قرأ الحسن‏:‏ ‏{‏والسابقون السابقون * أولئك المقربون في جنات النعيم * ثلّة من الأولين‏}‏ قال‏:‏ ثلة ممن مضى من هذه الأمة‏.‏ وعن محمد بن سيرين أنه قال في هذاه الآية ‏{‏ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين‏}‏ قال‏:‏ كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة‏.‏ ولاشك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏الحديث بتمامه‏.‏ فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن عمار بن ياسر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏فهذا الحديث محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها، ولهذا قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة‏)‏ ‏"‏أخرجاه في الصحيحين‏"‏‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حتى يأتي أمر اللّه تعالى وهم كذلك‏)‏ والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏مع كل ألف سبعون ألفاً - وفي آخر - مع كل واحد سبعون ألفاً‏)‏؛ وقد روى الحافظ الطبراني، عن أبي مالك قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض تقول الملائكة لَمَا جاء مع محمد صلى اللّه عليه وسلم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهم السلام‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ الطبراني‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏على سرر موضونة‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحّاك ، وقال السدي‏:‏ مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة‏:‏ مشبكة بالدر والياقوت، وقال ابن جرير‏:‏ ومنه يسمى وضين الناقة الذي تحت بطنها وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور وكذلك السرر في الجنة مضفورة بالذهب واللاليء‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏متكئين عليها متقابلين‏}‏ أي وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد، ‏{‏يطوف عليهم ولدان مخلدون‏}‏ أي مخلدون على صفة واحدة لا يشيبون ولا يتغيرون، ‏{‏بأكواب وأباريق وكأس من معين‏}‏ أما الأكواب فهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان، والأباريق التي جمعت الوصفين، والكؤوس الهنابات والجميع من خمر من عين جارية معين، ليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يصدعون عنها ولا ينزفون‏}‏ أي لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة، وروى ابن عباس أنه قال‏:‏ في الخمر أربع خصال‏:‏ ‏(‏السكْر، والصداع، والقيء، والبول‏)‏ فذكر اللّه تعالى خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال، وقال مجاهد وعكرمة ‏{‏لا يصدّعون عنها‏}‏ يقول‏:‏ ليس لهم فيها صداع رأس، وقالوا في قوله ‏{‏ولا ينزفون‏}‏ أي لا تذهب بعقولهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون‏}‏ أي ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار، وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها، روى الطبراني عن ثوبان قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أُخرى‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ الطبراني‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولحم طير مما يشتهون‏}‏ عن أنَس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن طير الجنة كأمثال البخت يرعى في شجر الجنة‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه، إن هذه لطير ناعمة، فقال‏:‏ ‏(‏آكلها أنعم منها - قالها ثلاثاً - وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏‏.‏ وقال قتادة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولحم طير مما يشتهون‏}‏ وذكر لنا أن أبا بكر قال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إني لأرى طيرها ناعماً كأهلها ناعمون، قال‏:‏ ‏(‏ومن يأكلها واللّه يا أبا بكر أنعم منها وإنها لأمثال البخت وإني لأحتسب على اللّه أن تأكل منها يا أبا بكر‏)‏ وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، عن أنَس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال‏:‏ ‏(‏نهر أعطانيه ربي عزَّ وجلَّ في الجنة أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها يعني كأعناق الجزر‏)‏ فقال عمر‏:‏ إنها لناعمة‏؟‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏آكلها أنعم منها‏)‏ ‏"‏أخرجه

ابن أبي الدنيا، ورواه الترمذي‏"‏‏.‏ وعن عبد اللّه بن مسعود قال، قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً‏)‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحورٌ عينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون‏}‏ بالرفع وتقديره‏:‏ ولهم فيها حور عين، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كأمثال اللؤلؤ المكنون‏}‏ أي كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه كما تقدم، ‏{‏كأنهن بيض مكنون‏}‏، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏جزاء بما كانوا يعملون‏}‏ أي هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل‏.‏

 الآية رقم ‏(‏27 ‏:‏ 40‏)‏

‏{‏ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ‏.‏ في سدر مخضود ‏.‏ وطلح منضود ‏.‏ وظل ممدود ‏.‏ وماء مسكوب ‏.‏ وفاكهة كثيرة ‏.‏ لا مقطوعة ولا ممنوعة ‏.‏ وفرش مرفوعة ‏.‏ إنا أنشأناهن إنشاء ‏.‏ فجعلناهن أبكارا ‏.‏ عربا أترابا ‏.‏ لأصحاب اليمين ‏.‏ ثلة من الأولين ‏.‏ وثلة من الآخرين ‏}‏

لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون، عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين وهم الأبرار، كما قال ميمون بن مهران‏:‏ أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين، فقال ‏{‏وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين‏}‏ أي ما حالهم وكيف مآلهم‏؟‏ ثم فسر ذلك فقال تعالى‏:‏ ‏{‏في سدر مخضود‏}‏ قال ابن عباس وعكرمة‏:‏ هو الذي لا شوك فيه، وعن ابن عباس‏:‏ هو الموقر بالثمر، وقال قتادة‏:‏ كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه، والظاهر أن المراد هذا وهذا، فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر، وفي الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه، وفيه الثمر الكثير الذي أثقل أصله، كما روى الحافظ أبو بكر النجار، عن سليم بن عامر قال‏:‏ كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه

عليه وسلم يقولون‏:‏ إن اللّه لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال‏:‏ أقبل أعرابي يوماً فقال‏:‏ يا رسول اللّه ذكر اللّه في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وما هي‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ السدر، فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أليس اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏في سدر مخضود‏}‏ خضد اللّه شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ما فيها لون يشبه الآخر‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وطلح منضود‏}‏ الطلح‏:‏ شجر عظام يكون بأرض الحجاز، من شجر العضاه واحدته طلحة، وهو شجر كثير الشوك، وأنشد ابن جرير لبعض الحداة‏:‏

بشَّرها دليلها وقالا * غداً ترين الطلح والجبالا

قال مجاهد ‏{‏منضود‏}‏‏:‏ أي متراكم الثمر، يذكر بذلك قريشاً لأنهم كانوا يعجبون من وج وظلاله من طلح وسدر، قال ابن عباس‏:‏ يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمر أحلى من العسل، قال الجوهري‏:‏ والطلح لغة في الطلع، قلت وقد روي أن علياً يقول هذا الحرف في ‏{‏طلح منضود‏}‏ قال‏:‏ طلع منضود، فعلى هذا يكون من صفة السدر، فكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شوك له، وأن طلعه منضود، وهو كثرة ثمره واللّه أعلم‏.‏ وعن أبي سعيد ‏{‏وطلح منضود‏}‏ قال‏:‏ الموز وهو قول ابن عباس وأبي هريرة والحسن وعكرمة وقتادة وغيرهم ، وأهل اليمن يسمون الموز‏:‏ الطلح، ولم يحك ابن جرير غير هذا القول، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وظل ممدود‏}‏ روى البخاري، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم ‏{‏وظل ممدود‏}‏ ‏"‏رواه البخاري ومسلم‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، إقرأوا إن شئتم ‏{‏وظل ممدود‏}‏ ‏"‏أخرجه أحمد ورواه الشيخان‏"‏‏.‏ وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏، فهذا حديث ثابت عن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد لتعدد طرقه وقوة أسانيده وثقة رجاله‏.‏ وقال الترمذي، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب‏)‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حسن غريب‏"‏‏.‏ وقال الضحّاك والسدي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وظل ممدود‏}‏ لا ينقطع ليس فيها شمس ولا حر مثل قبل طلوع الفجر، وقال ابن مسعود‏:‏ الجنة سَجْسَج سَجْسَج‏:‏ أي لا حر ولا برد كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقد تقدمت الآيات كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وندخلهم ظلاً ظليلاً‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أكلها دائم وظلها‏}‏، وقوله ‏{‏في ظلال وعيون‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وماء مسكوب‏}‏ قال الثوري‏:‏ يجري في غير أخدود، وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فيها أنهار من ماء غير آسن‏}‏ الآية، بما أغنى عن إعادته ههنا‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة‏}‏ أي وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً‏}‏ أي يشبه الشكل الشكل، ولكن الطعم غير الطعم، وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى‏:‏ فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلال هجر، وروى الحافظ أبو يعلى، عن جابر قال‏:‏ بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتقدمنا معه، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة، قال له أبي بن كعب‏:‏ يا رسول اللّه صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه، قال‏:‏ ‏(‏إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ أبو يعلى وأخرجه مسلم بنحوه‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا مقطوعة ولا ممنوعة‏}‏ أي لا تنقطع شتاء ولا صيفاً، بل أكلها دائم مستمر أبداً، مهما طلبوا وجدوا لا يمتنع عليهم بقدرة اللّه شيء، وقال قتادة‏:‏ لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد، وقد تقدم في الحديث‏:‏ ‏(‏إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أُخْرَى‏)‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفرش مرفوعة‏}‏ أي عالية وطيئة ناعمة، روى النسائي عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفرش مرفوعة‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام‏)‏ ‏"‏أخرجه النسائي والترمذي وقال‏:‏ حسن غريب‏"‏‏.‏ وعن الحسن‏:‏ ‏{‏وفرش مرفوعة‏}‏ قال‏:‏ ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري موقوفاً‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً * لأصحاب اليمين‏}‏ جرى الضمير على غير مذكور، لكن لما دل السياق وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجعن فيها اكتفى بذلك عن ذكرهَّن وعاد الضمير عليهن، قال الأخفش في قوله تعالى ‏{‏أنا أنشأهن‏}‏ أضمرهن ولم يذكرن قبل ذلك، وقال أبو عبيدة ذكرن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون‏}‏، فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن‏}‏ أي أعدناهن في النشأة الأُخرى بعد ما كن عجائز رمصاً، صرن ‏{‏أبكاراً عرباً‏}‏ أي بعد الثيوبة عدن أبكاراً عرباً، متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة، وقال بعضهم ‏{‏عرباً‏}‏ أي غنجات، عن أنَس بن مالك قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنا أنشأناهن إنشاء قال‏:‏ نساء عجائز كنَّ في الدنيا عمشاً رمصاً‏)‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وابن أبي حاتم وقال الترمذي‏:‏ غريب‏"‏‏.‏ وعن سلمة بن يزيد قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن إنشاء‏}‏ يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا، وقال عبد بن حميد قال‏:‏ أتت عجوز، فقالت‏:‏ يا رسول اللّه ادع اللّه تعالى أن يدخلني الجنة فقال‏:‏ ‏(‏يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز‏(‏ قال‏:‏ فولت تبكي، قال‏:‏ أخبروها إنها لا تدخلها، وهي عجوز، إن اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً‏}‏ ‏"‏أخرجه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد‏"‏‏.‏

وعن أم سلمة قالت، قلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏حور عين‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏حور‏)‏ بيض ‏(‏عين‏)‏ ضخام العيون، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر، قلت‏:‏ أخبرني عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كأمثال اللؤلؤ المكنون‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي‏)‏ قلت‏:‏ أخبرني عن قوله‏:‏ ‏{‏فيهن خيرات حسان‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏خيرات الأخلاق حسان الوجوه‏)‏ قلت‏:‏ أخبرني عن قوله‏:‏ ‏{‏كأنهن بيض مكنون‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقيء‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني عن قوله‏:‏ ‏{‏عرباً أتراباً‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هن اللواتي قبضن في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً خلقهن اللّه بعد الكبر، فجعلهن عذارى عرباً متعشقات محببات أتراباً على ميلاد واحد‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه نساء الدنيا أفضل أم الحور العين‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه

وبم ذاك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن اللّه عزَّ وجلَّ، ألبس اللّه وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن‏:‏ نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، طوبى لمن كنا له وكان لنا‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ المرأة منا تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة، ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقاً، فتقول‏:‏ يا رب إن هذا كان أحسن خلقاً معي فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة‏)‏ ‏"‏رواه أبو القاسم الطبراني‏"‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكاراً‏)‏ ‏"‏أخرجه الطبراني من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً‏"‏‏.‏ وعن أبي هريرة قال، قيل‏:‏ يا رسول اللّه هل نصل إلى نسائنا في الجنة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء‏)‏ ‏"‏رواه الطبراني وقال الحافظ المقدسي‏:‏ هو على شرط الصحيح‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عرباً‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يعني متحببات إلى أزواجهن، ألم تر إلى الناقة الضبعة هي كذلك، وقال الضحّاك عنه‏:‏ العرب العواشق لأزواجهن، وأزواجهن لهن عاشقون، وقال عكرمة‏:‏ سئل ابن عباس عن قوله ‏{‏عرباً‏}‏ قال‏:‏ هي المَلِقة لزوجها، وقال عكرمة‏:‏ هي الغنجة، وعنه‏:‏ هي الشكلة، وقال عبد اللّه بن بريدة في قوله ‏{‏عرباً‏}‏ قال‏:‏ الشكلة بلغة أهل مكة، والغنجة بلغة أهل المدينة، وقال تميم بن حذلم‏:‏ هي حسن التبعل، وقوله ‏{‏أتراباً‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة، وقال مجاهد‏:‏ الأتراب‏:‏ المستويات، وفي رواية عنه‏:‏ الأمثال، وقال عطية‏:‏ الأقران، وقال السدي ‏{‏أتراباً‏}‏ أي في الأخلاق المتواخيات بينهن، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد، يعني لا كما كن ضرائر متعاديات، وقال ابن أبي حاتم، عن الحسن ومحمد ‏{‏عرباً أتراباً‏}‏ قالا‏:‏ المستويات الأسنان يأتلفن جميعاً ويلعبن جميعاً، وقد روى الترمذي، عن علي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن أصواتاً لم تسمع الخلائق بمثلها - قال - يقلن‏:‏ نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له‏)‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حديث غريب‏"‏‏.‏ وعن أنَس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الحور العين ليغنين في الجنة يقلن‏:‏ نحن خيرات حسان خبئنا لأزواج كرام‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ أبو يعلى‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لأصحاب اليمين‏}‏ أي خلقنا لأصحاب اليمين أو زوجن لأصحاب اليمين والأظهر أنه متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً‏}‏ فتقديره أنشأناهن لأصحاب اليمين، وهذا توجيه ابن جرير، قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون قوله‏:‏ ‏{‏لأصحاب اليمين‏}‏ متعلقاً بما قبله، وهو قوله‏:‏ ‏{‏أتراباً لأصحاب اليمين‏}‏ أي في أسنانهم، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يتمخطون؛ أمشاطهم الذهب وريحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأرواحهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏‏.‏ وعن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع‏)‏ ‏"‏أخرجه الطبراني ورواه الترمذي بنحوه‏"‏‏.‏ وروى ابن وهب، عن أبي سعيد قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار‏)‏ وروى ابن أبي الدنيا، عن أنَس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعاً بذراع الملك‏!‏ على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون‏)‏ وقال أبو بكر بن أبي داود، عن أنَس بن مالك قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين جرداً مرداً مكحلين‏.‏ ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثلة من الأولين وثلة من الآخرين‏}‏ أي جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين‏.‏

وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هما جميعاً من أُمتي‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن جرير‏"‏‏.‏

 الآية رقم ‏(‏41 ‏:‏ 56‏)‏

‏{‏ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ‏.‏ في سموم وحميم ‏.‏ وظل من يحموم ‏.‏ لا بارد ولا كريم ‏.‏ إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ‏.‏ وكانوا يصرون على الحنث العظيم ‏.‏ وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ‏.‏ أو آباؤنا الأولون ‏.‏ قل إن الأولين والآخرين ‏.‏ لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ‏.‏ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ‏.‏ لآكلون من شجر من زقوم ‏.‏ فمالئون منها البطون ‏.‏ فشاربون عليه من الحميم ‏.‏ فشاربون شرب الهيم ‏.‏ هذا نزلهم يوم الدين ‏}‏

لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين، عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال فقال‏:‏ ‏{‏وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال‏}‏ أي أيُّ شيء هم فيه أصحاب الشمال‏؟‏ ثم فسر ذلك فقال‏:‏ ‏{‏في سموم‏}‏ وهو الهواء الحار، ‏{‏وحميم‏}‏ وهو الماء الحار، ‏{‏وظل من يحموم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ ظل الدخان وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم ، وهذه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب‏}‏ ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏وظل من يحموم‏}‏ وهو الدخان الأسود ‏{‏لا بارد ولا كريم‏}‏ أي ليس طيب الهبوب، ولا حسن المنظر ‏{‏ولا كريم‏}‏ أي ولا كريم المنظر، وقال الضحّاك‏:‏ كل شراب ليس بعذب فليس بكريم، قال ابن جرير‏:‏ العرب تتبع هذه اللفظة في النفي، فيقولون‏:‏ هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنهم كانوا قبل ذلك مترفين‏}‏ أي كانوا في الدار الدنيا منعمين، مقبلين على لذات أنفسهم، ‏{‏وكانوا يصرون‏}‏ أي يقيمون ولا ينوون توبة ‏{‏على الحنث العظيم‏}‏، وهو الكفر باللّه، قال ابن عباس‏:‏ الحنث العظيم‏:‏ الشرك وكذا قال مجاهد وعكرمة والضحّاك وقتادة ، وقال الشعبي‏:‏ هو اليمين الغموس ‏{‏وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون‏}‏ يعني أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم‏}‏ أي أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا يغادر منهم أحد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود‏}‏، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم‏}‏ أي هو موقت بوقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، ‏{‏ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون‏}‏، وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منها بطونهم، ‏{‏فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم‏}‏ وهي الإبل العطاش واحدها أهيم والأنثى هيماء، ويقال‏:‏ هائم وهائمة، قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ الهيم الإبل العطاش الظماء، وقال السدي‏:‏ الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبداً حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يرون من الحميم أبداً، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏هذا نزلهم يوم الدين‏}‏ أي هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم، كما قال تعالى في حق المؤمنين‏:‏ ‏{‏كانت لهم جنات الفردوس نزلاً‏}‏ أي ضيافة وكرامة‏.‏

 الآية رقم ‏(‏57 ‏:‏ 62‏)‏

‏{‏ نحن خلقناكم فلولا تصدقون ‏.‏ أفرأيتم ما تمنون ‏.‏ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ‏.‏ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ‏.‏ على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ‏.‏ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ‏}‏

يقول تعالى مقرراً للمعاد، وراداً على المكذبين به من أهل الزيع والإلحاد، ‏{‏نحن خلقناكم‏}‏ أي نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، أفليس الذي قدر على البداءة، بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى‏؟‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فلولا تصدقون‏}‏‏؟‏ أي فهلا تصدقون بالبعث‏!‏ ثم قال تعالى مستدلاً عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون‏}‏‏؟‏ أي أنتم تقرونه في الأرحام وتخلقونه فيها أم اللّه الخالق لذلك‏؟‏ ثم قال تعالى ‏{‏نحن قدّرنا بينكم الموت‏}‏ أي صرفناه بينكم، وقال الضحّاك‏:‏ ساوى فيه بين أهل السماء والأرض، ‏{‏وما نحن بمسبوقين‏}‏ أي وما نحن بعاجزين ‏{‏على أن نبدّل أمثالكم‏}‏ أي نغيّر خلقكم يوم القيامة، ‏{‏وننشئكم فيما لا تعلمون‏}‏ أي من الصفات والأحوال، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون‏}‏ أي قد علمتم أن اللّه أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة وهي البداءة قادر على النشأة الأُخرى وهي الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى‏}‏‏؟‏

 الآية رقم ‏(‏63 ‏:‏74‏)‏

‏{‏ أفرأيتم ما تحرثون ‏.‏ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ‏.‏ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ‏.‏ إنا لمغرمون ‏.‏ بل نحن محرومون ‏.‏ أفرأيتم الماء الذي تشربون ‏.‏ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ‏.‏ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ‏.‏ أفرأيتم النار التي تورون ‏.‏ أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ‏.‏ نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ‏.‏ فسبح باسم ربك العظيم ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أفرأيتم ما تحرثون‏}‏‏؟‏ وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها، ‏{‏أأنتم تزرعونه‏}‏‏؟‏ أي تنبتونه في الأرض ‏{‏أم نحن الزارعون‏}‏‏؟‏ أي بل نحن الذي نقره قراره وننبته في الأرض، روي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ ‏{‏أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‏}‏ وأمثالها، يقول‏:‏ بل أنت يا رب، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لو نشاء لجعلناه حطاماً‏}‏ أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم رحمة بكم، ولو نشاء لجعلناه حطاماً، أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده، ‏{‏فظلتم تفكهون‏}‏‏.‏ ثم فسر ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏إنا لمغرومون * بل نحن محرمون‏}‏ أي لو جعلناه حطاماً لظلتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم، فتقولون تارة ‏{‏إن لمغرومون‏}‏ أي لملقون، وقال مجاهد وعكرمة‏:‏ إنا لمولع بنا، وقال قتادة‏:‏ معذبون، وتارة تقولون‏:‏ ‏{‏بل نحن محرمون‏}‏ أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح، وقال مجاهد ‏{‏بل نحن محرومون‏}‏ أي مجدودون يعني لا حظ لنا، وقال ابن عباس ومجاهد ‏{‏فظلتم تفكهون‏}‏ تعجبون، وقال مجاهد أيضاً ‏{‏فظلتم تفكّهون‏}‏ تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم، وهذا يرجع إلى الأول، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم، وهذا اختيار ابن جرير‏.‏ وقال عكرمة ‏{‏فظلتم تفكهون‏}‏ تلاومون، وقال الحسن وقتادة ‏{‏فظلتم تفكهون‏}‏ تندمون، ومعناه إما على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب، قال الكسائي‏:‏ تفكه من الأضداد، تقول العرب‏:‏ تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت‏.‏ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلمتوه من المزن‏}‏، يعني السحاب، ‏{‏أم نحن المنزلون‏}‏، يقول بل نحن المنزلون، ‏{‏لو نشاء جعلناه أجاجاً‏}‏ أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع، ‏{‏فلولا تشكرون‏}‏ أي فهلا تشكرون نعمة اللّه عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً، ‏{‏لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون‏}‏ روى ابن أبي حاتم، عن جابر، عن أبي جعفر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته، ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏ثم قال‏:‏ ‏{‏أفرأيتم النار التي تورون‏}‏ أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها ‏{‏أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤن‏}‏ أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها، وللعرب شجرتان‏:‏ إحداهما المرخ والأُخْرى العفار إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نحن جعلناها تذكرة‏}‏ قال مجاهد وقتادة‏:‏ أي تذكر النار الكبرى، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل اللّه فيها منفعة لأحد‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً‏"‏، وقال الإمام مالك، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزء من نار جهنم‏)‏ فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إن كانت لكافية، فقال‏:‏ ‏(‏إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها‏)‏ ‏"‏أخرجه مالك ورواه البخاري ومسلم‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومتاعاً للمقوين‏}‏ قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ يعني بالمقوين المسافرين، واختاره ابن جرير، وقال ابن أسلم‏:‏ المقوي ههنا الجائع، وقال ليث، عن مجاهد ‏{‏ومتاعاً للمقوين‏}‏‏:‏ للحاضر والمسافر، لكل طعام لا يصلحه إلا النار، وعنه ‏{‏للمقوين‏}‏ يعني المستمتعين من الناس أجمعين، وهذا التفسير أعم من غيره، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير، الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة، وغير ذلك من المنافع، ثم من لطف اللّه تعالى أودعها في الأحجار وخالص الحديد، بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه، فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فاطبخ بها واصطلى بها واشتوى واستأنس بها، وانتفع بها سائر الانتفاعات، فلهذا أفرد المسافرون، وإن كان ذلك عاماً في حق الناس كلهم، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏المسلمون شركاء في ثلاثة‏:‏ النار والكلأ والماء‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد وأبو داود‏"‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يمنعن‏:‏ الماء والكلأ والنار‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسّبح بسم ربك العظيم‏}‏ أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة، الماء الزلال العذب البارد، ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً كالبحار المغرقة، وخلق النار المحرقة، وجعل ذلك مصلحة للعباد، وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم، وزجراً لهم في المعاد‏.‏

 الآية رقم ‏(‏75 ‏:‏ 82‏)‏

‏{‏ فلا أقسم بمواقع النجوم ‏.‏ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ‏.‏ إنه لقرآن كريم ‏.‏ في كتاب مكنون ‏.‏ لا يمسه إلا المطهرون ‏.‏ تنزيل من رب العالمين ‏.‏ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ‏.‏ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ‏}‏

قال الضحّاك‏:‏ إن اللّه تعالى لا يقسم بشيء من خلقه، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه، وهذا القول ضعيف، والذي عليه الجمهور أنه قسم من اللّه تعالى يقسم بما شاء من خلقه وهو دليل على عظمته، ثم قال بعض المفسرين‏:‏ لا ههنا زائدة، وتقديره‏:‏ أقسم بمواقع النجوم، ويكون جوابه‏:‏ ‏{‏إنه لقرآن كريم‏}‏، وقال آخرون‏:‏ ليست لا زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي، تقدير الكلام‏:‏ لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم، وقال بعضهم‏:‏ معنى قوله ‏{‏فلا أقسم‏}‏‏:‏ فليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف القسم بعد ذلك فقيل اقسم ‏"‏ذكره ابن جرير عن بعض أهل العربية‏"‏، واختلفوا في معنى قوله‏:‏ ‏{‏بمواقع النجوم‏}‏ فقال ابن عباس‏:‏ يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏مواقع النجوم‏}‏ في السماء ويقال مطالعها ومشارقها، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة‏:‏ مواقعها‏:‏ منازلها، وعن الحسن‏:‏ أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة، وقوله ‏{‏وإنه لقسم لو تعلمون عظيم‏}‏ أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به، ‏{‏إنه لقرآن كريم‏}‏ أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم ‏{‏في كتاب مكنون‏}‏ أي معظم في كتاب محفوظ موقر، عن ابن عباس قال‏:‏ الكتاب الذي في السماء، ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ يعني الملائكة، وقال ابن جرير، عن قتادة ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ قال‏:‏ لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس، وقال أبو العالية‏:‏ ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ ليس أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد‏:‏ زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر اللّه تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون‏}‏، وهذا القول قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله، وقال الفراء‏:‏ لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، وقال آخرون‏:‏ ههنا المصحف، كما روى مسلم عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم في صحيحه‏"‏، واحتجوا بما رواه الإمام مالك أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمرو بن حزم أن ‏(‏لا يمس القرآن إلا طاهر‏)‏ وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال‏:‏ قرأت في صحيفة عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ولا يمس القرآن إلا طاهر‏)‏ وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تنزيل من رب العالمين‏}‏ أي هذا القرآن منزل من اللّه رب العالمين، وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حق نافع، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفبهذا الحديث أنتم مدهنون‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي مكذبون غير مصدقين، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏مدهنون‏}‏ أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم ‏{‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏}‏ قال بعضهم‏:‏ معنى ‏{‏وتجعلون رزقكم‏}‏ بمعنى شكركم أنكم تكذبون بدل الشكر، عن علي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وتجعلون‏)‏ رزقكم يقول‏:‏ شكركم أنكم تكذبون، تقولون‏:‏ مطرنا بنوء كذا وكذا، بنجم كذا وكذا‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد وابن أبي حاتم، ورواه الترمذي وقال‏:‏ حسن غريب‏"‏، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏}‏ قال‏:‏ قولهم في الأنواء‏:‏ مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا يقول‏:‏ قولوا هو من عند اللّه وهو رزقه وهكذا قال الضحّاك وغير واحد ، وقال قتادة‏:‏ أما الحسن فكان يقول‏:‏ بئس ما أخذ قوم لأنفسهم، لم يرزقوا من كتاب اللّه إلا التكذيب،

فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب اللّه أنكم تكذبون به، ولهذا قال قبله‏:‏ ‏{‏أفبهذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون‏}‏‏.‏

 الآية رقم ‏(‏83 ‏:‏ 87‏)‏

‏{‏ فلولا إذا بلغت الحلقوم ‏.‏ وأنتم حينئذ تنظرون ‏.‏ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ‏.‏ فلولا إن كنتم غير مدينين ‏.‏ ترجعونها إن كنتم صادقين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا إذا بلغت‏}‏ أي الروح ‏{‏الحلقوم‏}‏ أي الحلق وذلك حين الاحتضار كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق‏}‏، ولهذا قال ههنا ‏{‏وأنتم حينئذ تنظرون‏}‏ أي إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت، ‏{‏ونحن أقرب إليه منكم‏}‏ أي بملائكتنا ‏{‏ولكن لا تبصرون‏}‏ أي ولكن لا ترونهم كما قال تعالى في الآية الأُخرى‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها‏}‏ معناه فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول، ومقرها من الجسد إن كنتم غير مدينين، قال ابن عباس‏:‏ يعني محاسبين وهو قول مجاهد وعكرمة والحسن والضحّاك وقتادة ، وقال سعيد بن جبير ‏{‏غير مدينين‏}‏ غير مصدقين أنكم تدانون وتبعثون وتجزون فردوا هذه النفس، وعن مجاهد ‏{‏غير مدينين‏}‏ غير موقنين، وقال ميمون بن مهران‏:‏ غير معذبين مقهورين‏.‏

 الآية رقم ‏(‏88 ‏:‏ 96‏)‏

‏{‏ فأما إن كان من المقربين ‏.‏ فروح وريحان وجنة نعيم ‏.‏ وأما إن كان من أصحاب اليمين ‏.‏ فسلام لك من أصحاب اليمين ‏.‏ وأما إن كان من المكذبين الضالين ‏.‏ فنزل من حميم ‏.‏ وتصلية جحيم ‏.‏ إن هذا لهو حق اليقين ‏.‏ فسبح باسم ربك العظيم ‏}‏

هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم‏:‏ إما أن يكون من المقربين، أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين، وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر اللّه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأما إن كان‏}‏ أي المحتضر ‏{‏من المقربين‏}‏ وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات، ‏{‏فروح وريحان وجنة نعيم‏}‏ أي فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت كما تقدم في حديث البراء إن ملائكة الرحمة تقول‏:‏ أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب، كنت تعمرينه اخرجه إلى روح وريحان ورب غير غضبان، قال ابن عباس ‏{‏فروح‏}‏ يقول‏:‏ راحة ‏{‏وريحان‏}‏ يقول‏:‏ مستراحة، وكذا قال مجاهد‏:‏ إن الروح الاستراحة، وقال أبو حرزة‏:‏ الراحة من الدنيا، وقال سعيد بن جبير‏:‏ الروح الفرح، وعن مجاهد‏:‏ ‏{‏فروح وريحان‏}‏ جنة ورخاء، وقال قتادة‏:‏ فروح فرحمة‏.‏ وقال ابن عباس ومجاهد ‏{‏وريحان‏}‏‏:‏ ورزق؛ وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة، فإن مات مقرباً حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن ‏{‏وجنة نعيم‏}‏، وقال أبو العالية‏:‏ لا يفارق أحد من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيقبض روحه فيه، وقال محمد بن كعب‏:‏ لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار، وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم ‏{‏يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت‏}‏‏.‏ وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية‏.‏ روى الإمام أحمد، عن أم هانيء أنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يكون النسم طيراً يعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها‏)‏ هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن، ومعنى يَعْلَق يأكل، ويشهد له بالصحة أيضاً ما رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك، عن كعب بن مالك، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه‏)‏ وهذا إسناد عظيم ومتن قويم، وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في رياض الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش‏)‏ ‏"‏الحديث مخرج في الصحيحين‏"‏الحديث‏.‏ وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه‏)‏ قال‏:‏ فأكب القوم يبكون فقال‏:‏ ‏(‏ما يبكيكم‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ إنا نكره الموت، قال‏:‏ ‏(‏ليس ذاك، ولكنه إذا احتضر ‏{‏فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم‏}‏، فإذا بشر بذلك أحب لقاء اللّه عزَّ وجلَّ، واللّه عزَّ وجلَّ للقائه أحب ‏{‏وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم‏}‏ فإذا بشر بذلك كره لقاء اللّه، واللّه تعالى للقائه أكره‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد في المسند‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأما إن كان من أصحاب اليمين‏}‏ أي وأما إن كان المحتضر من أصحاب اليمين ‏{‏فسلام لك من أصحاب اليمين‏}‏ أي تبشرهم الملائكة بذلك تقول لأحدهم‏:‏ سلام لك أي لابأس عليك أنت إلى سلامة، أنت من أصحاب اليمين، وقال قتادة‏:‏ سَلِمَ من عذاب اللّه وسلَّمت عليه ملائكة اللّه، كما قال عكرمة تسلم عليه الملائكة وتخبره أنه من أصحاب اليمين، وهذا معنى حسن، ويكون ذلك كقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزلٌ من حميم وتصلية جحيم‏}‏ أي وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى ‏{‏فنزل‏}‏ أي فضيافة، ‏{‏من حميم‏}‏ وهو المذاب الذي يصهر به ما في بطونهم والجلود، ‏{‏وتصلية جحيم‏}‏ أي وتقرير له في النار التي تغمره من جميع جهاته، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا لهو حق اليقين‏}‏ أي إن هذا الخبر لهو حق اليقين، الذي لا مرية فيه ولا محيد لأحد عنه، ‏{‏فسبح باسم ربك العظيم‏}‏‏.‏ قال الإمام أحمد، عن عقبة بن عامر الجهني قال‏:‏ لمْا نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏فسبح باسم ربك العظيم‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏اجعلوها في ركوعكم‏)‏ ولما نزلت‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجعلوها في سجودكم‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد في المسند‏"‏وفي الحديث‏:‏ ‏(‏من قال سبحان ربي العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة‏)‏ ‏"‏رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏"‏‏.‏ وروى البخاري في آخر صحيحه، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن‏:‏ سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم‏)‏